بحث
    • Castle Bruck in Lienz / Lienz
      media_content.tooltip.skipped
      أرضٌ صغيرة، وأفعال كبيرة

    أرضٌ صغيرة، وأفعال كبيرة

    دليلٌ مختصر عن تاريخ النمسا الصاخب.

    لم تكن تدعى النمسا بالاسم ذاته سابقاً، فأثناء حكم الرومان القدماء كانت تدعى بثلاثة أسماء مختلفة:عرفت المنطقة التي تمتد على طول سلسلة جبال الألب الرئيسية باسم نوريكوم؛ عرفت المنطقة الغربية باسم ريتيا؛ والمنطقة الشرقية، بانونيا. وكان لثالث هذه المناطق عاصمةً إقليميةً هامة تدعى باسم كارنونتوم، والتي ازدهرت لتصبح أقوى الحصون الرومانية على طول الدانوب. في الوقت الحالي، تشكّل مجموعات الآثار وعمليات الترميم التي تشمل هذه البلدة على بعد 40 كم شرق فيينا مكاناً مناسباً من أجل الذهاب في رحلةٍ لمدة يوم واحد لاختبار الحياة في العصور القديمة مجدداً.

    ولكن قبل ذلك، حدثت الهجرة الكبرى، حيث هجرت الأمم من مختلف الشعوب واحدةً تلو الأخرى، غادروا أراضيهم وشقّوا طريقهم نحو عالم الألب: القوطيون، السلافيون، الأفار والبافاريون. في عام 996، ظهر تعبيرٌ جديد للمرّة الأولى: في أرضٍ ممنوحةٍ من قبل الدولة، تتوضع في الريف وتحيط بمنطقة نيهوفان آن دير إيبس " Neuhofen an der Ybbs" الموجودة في النمسا السفلى حالياً، دعيت هذه المنطقة باسم أوستاريخي "Ostarrichi" بشكلٍ رسمي.

    عندما توفي جميع أفراد عائلة بابنبيرغر الحاكمة في 1273، استولت عائلة هابسبورغ على زمام الأمور في السّلطة. وخلال القرون التالية، أصبحت تلك العائلة أكثر السلالات الحاكمة الارستقراطية نجاحاً في أوروبا وأكثرها نفوذاً، وقدّر لها أن تحكم النمسا لما يقارب 650 عاماً، حتى عام 1918. كان نصف أوروبا تحت سيطرة نفوذها السيادي، بما في ذلك البلدان التي يتم السفر إليها عبر البحار، مثل إسبانيا. يتلو ذلك اكتشاف أمريكا في عام 1492 من قبل الرحالة كولومبوس، والاستعمار المتعاقب لأمريكا الجنوبية، والذي أدى بالتالي إلى تمهيد الطريق من أجل استغلال كل من آسيا الجنوبية والشرقية، ويدّعى أن الامبراطور تشارلز الخامس قال: "في امبراطوريتي، لا تغيب الشمس أبداً!" حيث كان هو في ذلك الحين الإمبراطور الروماني-الألماني وملك إسبانيا. في عام 1522، قسم الهابسبورغيون إلى شجرة عائلة اسبانية وأخرى نمساوية. حيث حكمت الأخيرة في المدينة السكّنية فيينا.

    Mozart's Birthplace / Mozart's birthplace
    media_content.tooltip.skipped

    كنتيجةٍ للاتفاقيات الإرثية بين البوهيميين والمجريين، كانت النمسا أمّة ذات ثقافات متعددة منذ بداياتها، حيث عاشت مجموعةٌ مذهلة من مختلف الثقافات وتعاونت بين بعضها بشكلٍ متناغم على مدى القرون.

    في نهاية القرن السابع عشر، وصلت عائلة هابسبورك للقمة. وتضمنت المملكة حينها أيضاً أجزاء من دول البلقان ومن إيطاليا. أثناء مدة وصاية تشارلز السادس عشر وابنته ماريا تيريزا على العهد، ارتقت الفنون إلى مستوياتٍ لم يُشهد لها مثيلٌ من قبل. وبشكلٍ مشابه، سادت العمارة الباروكية في جميع أنحاء النمسا، والتي يمكن مشاهدتها حتى اليوم. كان عصر التنوير الذي تسبب في إشعال الثورة الفرنسية عصر فولفغانغ أماديوس موزارت في الوقت ذاته والذي قام بتأليف كل قطعة موسيقية بشكلٍ غير تقليدي كما حكم إمبراطوره تماماً: حطّم جوزيف الثاني جميع التقاليد المتعارف عليها، حيث قام بإلغاء نظام القنانة والعبودية، ونفّذ إصلاحات هامة في مجالات التعليم والعدالة.

    تسبّب ظهور بروسيا بتنازل النمسا عن الكثير من سلطتها الأوروبية خلال القرن 18. بالإضافة إلى ذلك، عانت النمسا من هزائم قاسية في المعارك مع نابليون، وعلى الرغم من مقاومتها الشرسة، وصلت تلك التنازلات إلى مساحاتٍ من إيطاليا وضاعت بعض مناطق جبال الألب الداخلية مثل تيرول. في ظل هذا التراجع، تخلى الإمبراطور الروماني المقدس فرانسيس الثاني عن لقب الإمبراطور الروماني الألماني وقام بتأسيس إمبراطورية النمسا. في عام 1848، توج حفيده البالغ من العمر 18 عاماً فرانسيس جوزيف كإمبراطور للنمسا. قدّر له أن يحكم لمدة 68 عاما، وهي أطول فترة حكم للهابسبورغيين. في عام 1854 تزوج من أميرةٍ بافارية تدعى إليزابيث، والتي سيدعوها العالم بأكمله باسم سيسي قريباً.

    وكان لـ فرانسيس جوزيف تأثيراً بعيد المدى على جوانب كثيرة من النظام الملكي. من أعماله إنشاء الطريق الدائري (الرينغ) في فيينا، مع الهندسة المعمارية الرائعة للمدينة. بالإضافةِ إلى التوسع في العديد من المدن والطرق التي تؤدي إليها، ما يسمى بأراضي التاج، والتي لم تشمل المجر وبوهيميا فقط، ولكن أجزاء من بولندا والبلقان ورومانيا أيضاً. وهنالك تحديداً أصبحت القومية الناشئة أقسى شوكة في خاصرة النظام الملكي، والتي أدّت في نهاية الأمر إلى المحاكمة بإطلاق النار. عندما اغتيل الوريث للعرش الإمبراطوري فرانسيس فرديناند برصاصة قاتلٍ مأجور في سراييفو في عام 1914، أعلنت النمسا الحرب على صربيا وبدأت الحرب العالمية الأولى. في عام 1918، عند نهاية الحرب، تفكك كل من الملكية المزدوجة والنمسا. أصبحت النمسا جمهورية وتم تقليصها لتكون دولةً صغيرة (ما زالت الحدود التي وضعت آنذاك نفسها حتى اليوم). ولكن كان محكوماً على الجمهورية الفتية بالفشل منذ البداية. تدهورت بسرعة، وأصبح وضعها غير مستقر سياسياً. وبعد سنواتٍ من الضغوط السياسية والاقتصادية، تم "إلحاق" النمسا مع ألمانيا هتلر في مارس 1938 وأصبحت جزءاً من الرايخ الألماني. رحّب العديد من النمساويين بما يسمى بالضم "Anschluss"؛ وقاوم آخرون الدكتاتورية النازية. اضطّهد اليهود وكان المحظوظون منهم من استطاع الهجرة بعيداُ. وكنتيجةٍ لكونها مشاركةً في تحمّل مسؤولية الحرب والمحرقة الجماعية، تم احتلال النمسا بأربعة قوى عسكرية حليفة لمدة عشر سنوات، من عام 1945 حتى عام 1955، وتم تقسيمها إلى أربع مناطق احتلال: للسوفييت، للفرنسيين، للأميركيين و البريطانيين.

    عندما تمت المصادقة على المعاهدة التأسيسية للدولة في 15 مايو 1955، استعادت النمسا استقلالها والتزمت الحياد. كنتيجةٍ غير مقصودة لهذه الخطوة، تم تصنيفها على أنها مركزٌ بين الشرق والغرب في العقود التي تلت ذلك. وكنتيجةٍ لذلك أيضاً، تطورت لتصبح مركزاً اقتصادياً وتجارياً راقياً، مما وفّر مقراً للمنظمات الدولية البارزة مثل أوبك OPEC والأمم المتحدة في عام 1995، وصوّت المواطنون للنمسا لكي تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي.
     

    •                 Summer in Tirol
      media_content.tooltip.skipped
    media_content.tooltip.skipped